اعلان

اعلان
الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

الطف و ميزان الإيمان ... فرقُ بين عائلتين ...


أحمد عبد الكاظم العسكري

يتفق العديد من المؤرخين سواءً الإسلاميين منهم أو غير الإسلاميين على أهمية واقعة الطف و شهدائها و أهمية شهداء هذه الواقعة في التاريخ الإسلامي و العالمي ايضاً .
وحتى هذا الوقت كتبت العدد من الكتب و المقالات و البحوث بخصوص هذه الواقعة و شخصياتها , لهذا أردتُ أن اخرج عن موضوع السرد إلى موضوع المقارنة , أحاول في هذا الموضوع أن أُسلط الضوء على عائلتين مختلفتين في كثير من المواضع و يمكن إن قلت أنهما على طرفي نقيض فلن أكون مبالغاً في كلامي , و أهمية هذه العائلتين في معركة الطف و حتى تأثيرهما أو تأثير أحداهما قبل و بعد المعركة و هذه العائلتين هما :-
1ـ عائلة أم وهب :- تتكون هذه العائلة أربعة أفراد .
 الأب : وهو عبد الله ابن عمير الكلبي شارك في العديد من الغزوات و الفتوحات الإسلامية نصرةً للدين الإسلامي على الرغم من كونه نصراني و ليس مسلم كحال العديد من النصارى الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية في تلك الفترة .
الزوجة : أم وهب وهي كما ذُكر في كتاب أعلام النساء إنها بنت حباب الكلبي و كانت من رباب الفروسية و الشجاعة و الحمية لدى العرب .
الابن : وهب ابن عمير الكلبي يبلغ من العمر في واقعة الطف 25 عاماً كان فارساً متمرساً و ذو مهارات عالية , إضافة إلى زوجته التي تزوجها قبل واقع الطف كما تذكر الروايات لمدة 17 إلى 20 يوماً.
بداية النهاية لهذه العائلة الكبيرة بفعلها و علمها و صغيرة بحجمها عندما ضُرِبت طبول الحرب لقتال أهل البيت (عليهم السلام) فعزم أبو وهب على الالتحاق بركب الإمام الحسين (عليه السلام ) و لنصرة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم قائلاً :( و اللّه لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً ، و إني لأرجو ألاّ يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثواباً عند اللّه من ثوابه إياي في جهاد المشركين) .
و من الجدير بالذكر أن هذه العائلة بقيت نصرانية إلى أن التحقت بركب الإمام الحسين (عليه السلام) و أسلمت على يديه في أول أيام محرم الحرام.
و أثناء بداية المعركة طلب أبو وهب من الإمام (ع) أن يبرز إلى المعركة فأذن له فخرج و هو يرتجز في قتاله و كلامه فأكثر فيهم القتل ,       و نصرةً للإمام (عليه السلام)  ,  و نصرة لزوجها هبت الإنسانة المؤمنة ذات العزيمة الصارمة و هي تحمل في يدها عموداً و اتجهت إلى المعركة لتساند زوجها و هي تقول ( فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين ) فأقبل عليها زوجها ليردها إلى معسكر النساء فأخذت تجاذبه الحديث و تحاول قتال أعداء أهل البيت عليهم السلام و هي تقول له( لن أدعك تموت دون أن أموت معك ) .
و في هذا الموقف ضربت أم وهب أجمل أنواع الوفاء لطريقين مختلفين , الأول هو تجاه آل بيت النبي (عليهم السلام) في التضحية بما هو اغلى شيء لدى الإنسان حياته دفاعاً و ذوداً عنهم , و أما الثاني فهو دفاعاً عن زوجها و محاولة القتال معه و الشهادة معه .
فنادى عليهم الإمام (ع) قائلاً :جزيتم من أهل البيت خيراً , أرجعي رحمكِ الله إلى النساء فأجلسي معهن , فأن ليس على النساء القتال .
و عند استشهاد زوجها جلست بجانب رأسه و قالت :( هنيئاً لك الجنة ) , لتسطر أروع العبر و عنواناً للتضحية في سبيل الله و الإسلام .
و بعد قتل زوجها ذهبت إلى أبنها وهب و قالت له : قم يا بني و انصر ابن بنت رسول الله , فأجابها :أفعل يا أماه و لا أقصر .
فبرز لهم وهو يرتجز قائلاً:                أن تنكروني فأنا أبن الكلبي ******* سوف تروني و ترون ضربي.
فأكثر القتل في معسكر ابن سعد ( لعنه الله ) و عاد لأمة قائلاً: يا أماه أرضيتي ؟؟ , فأجابته :لا يا ولدي حتى تقتل بين يدي مولاك الحسين , لتظهر مرة أخرى في ملحمة الجهاد بكل ما تملك هذه البطلة ام وهب أظهرت شجاعة لا توصف و شكيمة لا يعلى عليها .
أما زوجة وهب وقد كان مضى على زواجها سبعة عشر يوماً فقط، فقد قالت له أسألك بالله ألا تفجعني في نفسك فقالت أم وهب لولدها لا تقبل قولها وارجع إلى مكانك وقاتل بين يدي مولاك، فلما سمعت زوجته ذلك أقبلت بزوجها إلى الحسين عليه السلام تقول له:
يا ابن رسول الله لي حاجتان الأولى انه إذا مضى عني وهب فأبقى بلا محام ولا كفيل، فسلمني إلى أهل بيتك , والثانية إذا قتل وهب كان مع الحور العين فينساني فجعلتك يا مولاي شاهداً على ألا ينساني فلما سمع الحسين(ع ) كلامها بكى بكاءأ شديداً، ثم أجاب سؤالها وطيب خاطرها . فجاءت هذه الفتاة الصغيرة لتضع موقفاً تعجز أقلام الكتّاب و المبدعين عن وصفة و تعجز فرشاه الرسامين عن تصويره موقف البطولة و موقف الحمية و موقف الحب و موقف الترابط و موقف التضحية .
 فعاد بعدها وهب إلى القتال وهو يرتجز:
اني زعيم لك ام وهبِ
بالطعن فيهم تارة والضربِ
ضرب غلام مؤمن بالربِ
حتى يذيق القوم مر الحربِ
حسبي الهي من عليم حسبي
فلم يزل يقاتل يميناً وشمالاً حتى قتل تسعة عشر فارساً واثنا عشر راجلاً، فقطعت يمينه وشماله، فأخذت زوجته عموداً وأقبلت نحوه تقول له فداك أبي و أمي، قاتل دون الطيبين حرم رسول الله، فسألها: كنت نهيتني عن القتال و ألان جئت تحرضيني؟!
أجابته: لا تلمني يا وهب، فاني عفت الحياة منذ سمعت نداء الحسين وا غربتاه! وا  قلة ناصراه!
فقال لها: ارجعي فان الجهاد مرفوع عن النساء.
قالت: لن أعود أو أموت معك، ثم اخذ ثوبها بأسنانه ليرجعها، فأفلتت منه، فاستغاث بالحسين(ع).
فقال عليه السلام: جزيتم عن اهل بيتي خيراً، ارجعي الى النساء بارك الله فيكِ، فانه ليس عليكنَ قتال، يصيبك ما يصيب اهل بيتي، وحالك كحالهم.
لحظات ويسقط وهب مثخناً بالجراح , و يؤخذ إلى عمر بن سعد ( لعنه الله ) أسيراً فقال له ما اشد صولتك , و أمرهم أن يقطعوا رأسه و يرموه لأمه : فأخذت الرأس و قالت : الحمد لله الذي بيض وجهي بشهادتك بين يدي أبي عبد الله , ثم أخذت الرأس و رمته على معسكر ابن سعد و قالت لهم ( نحن لا نسترد ما ندفعه في سبيل الله ) و عادت مرة بعد مرة لتثبت الموقف تلو الآخر لتعجز السنة المؤرخين عن وصف هذه المرأة. ثم اخذت عمود و هجمت على القوم فقتلت منهم رجلين، وهي تقول لهم: اشهد ان اليهود في بيعها والنصارى في كنائسها خير منكم.
فناداها الحسين: ارجعي يا ام وهب، فان الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت كئيبة وهي تقول: الهي لا تقطع رجائي.
فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع الله رجاءك يا ام وهب، انت وولدك مع رسول الله وذريته في الجنة.
أما عن زوجة وهب فيقال في الروايات أنها قتلت و يقال أيضاً أنها كانت مع سبايا أهل البيت عليهم السلام .
.............................................

في المقابل عائلة عربية من بني كندة .
2ـ  عائلة الاشعث ابن قيس :-
 الاب : هو الاشعث ابن قيس ابن معدي .
الابن : محمد ابن الاشعث .
البنت : جعدة بنت الاشعث.
الأب الاشعث:- وهو معد يكرب بن قيساسلم و تزوج بنت ابي بكر تجزوج من أم فروة بنت أبى قحافة و هي ام محمد ابنه و كان احد المسؤولين عن ايقاف جيش الامام علي ( علية السلام ) من الانتصار في واقعة صفين و من الذين خدعوا بخدعة المصاحف و اصبح في ما بعد من المنافقين في خلافة علي (ع) و هو في أصحاب أمير المؤمنين (ع) كما كان عبد الله بن أبي بن سلول في أصحاب رسول الله (صل الله علية و اله و سلم ) كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه .
و شارك هو و قطام بنت الاصبغ و عبد الرحمن ابن ملجم لعنهم الله جميعاً في قتل الامام (علي علية السلام ) :-
و روى العلامة المجلسي (رحمة الله عليه) في (البحار) عن (الإرشاد) :فدعت قطام بنت الأصبغ التميمي ( لعنها الله) لهم بحرير فعصبت به صدورهم،و تقلدوا أسيافهم و مضوا و جلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الصلاة،و قد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) و واطأهم على ذلك و حضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه،و كان حجر بن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد فسمع‏الأشعث يقول:يا بن ملجم،النجاء النجاء لحاجتك،فقد فضحك الصبح‏،فأحس حجر بما أراد الأشعث،فقال له:قتلته يا أعور،و خرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ليخبره الخبر،و يحذره من القوم،و خالفه أمير المؤمنين (عليه السلام) من الطريق فدخل المسجد،فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف،و أقبل حجر و الناس يقولون :قتل أمير المؤمنين (عليه السلام(
( انظر الكامل في التاريخ ج 2 ص 434 و تاريخ الطبري ج 4 ص 110 و مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 423.الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 132.مقاتل الطالبيين ص 17.شرح ابن أبي الحديد ج 6.ص 113،البحار ج 42 ص .228)
و بالنسبة للأبن محمد أبن الاشعث كان من خاصة الأمراء الأمويين في الكوفة و كان السبب الرئيسي في اعدام الامام مسلم بن عقيل( عليه السلام)من على قصر الإمارة في الكوفة لكونه خدعه بوعد كاذب انه سيعطيه الأمان و لم يطلبه الإمام مسلم (ع) خوفاً , لكنه طلبه لكي ينذر ابن عمه الإمام الحسين(ع) من خداع أهل الكوفة له , إضافةً لمشاركته في واقعة الطف و سبي نساء بيت الرسالة عليهم السلام و حرق الخيام و محاربة قيام المختار الثقفي و قتال الشيعة الامام علي (عليه السلام)  ....... الخ من المواقف التي تبين خسته و قتاله لأهل التقى .

اما عن جعده : فأستشهاد الإمام الحسن عليه السلام في سنة 49 هـ بعد أن دست له زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس السم بتحريض من معاوية، وقد وعدها بمئة ألف دينار وبالتزويج من ابنه يزيد. فأوفاها بما وعدها من مال، وأبى عليها التزويج من ابنه قائلاً لها: (أخشى أن تفعلي به كما فعلت بابن رسول الله) و فعلتها يبينها التاريخ بشكلٍ واضح لتكرر ما تعودت عليه هذه العائلة من عداء لأهل الإيمان و قتلهم .  

و هنا يظهر لنا جلياً  الفرق الواضح للعيان فعائلة احبت اهل البيت (عليهم السلام) و اقتدت بقول النبي محمد صل الله علية و اله و سلم (أخرج أحمد بن حنبل في مسنده ( 2 ) عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني بهما أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ) .
و ضحت بكل ما تملك حياتهم ( ابُ و ابنُ و امُ  و زوجة ابن ) تاركين الحياة طمعاً بحب اهل البيت و شفاعتهم يوم القيامة , و في الجانب الثاني تجد عائلة اخرى ناصبت العداء لأهل البيت بكل ما للكلمة من معنى لدرجة صنع المكائد لهم و قتالهم و ذبح الاولياء الصالحين و سمهم و الأساءة بالكلام و بالفعل هذا هو الفرق .
 فرقة أنارت كربلاء بحبها و تفانيها فخلّدها التأريخ وفرقة حاقدة ناصبت العداء للعتره الطاهرة البسها التاريخ ثوب الخزي و العار  .
أرجو وان أكون قد وضحت المقارنة ولو بشكل بسيط و الله من وراء القصد   
    
اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي

اخر التدوينات