بداية الألم
كان صباحي كأي صبحٍ آخر ابتدأته
بالصلاة الدعاء إلى الباري عز و جل و هَيَئةُ الإفطار إلى أطفالي و زوجي الذي يعمل
في أحدى الدوائر التابعة لوزارة الصناعة و المعادن و من ثم وجهة إلى العمل .
فأنا اعمل معلمة لمادة التربية الإسلامية في إحدى
المدارس الابتدائية في منطقتنا .
و كان بداية الدوام في
المدرسة بداية كأي بداية أخرى قد مر سابقاً لكني كنت احسب بشعور غريب في قلبي لكن
لا استطيع أن أُفسر هذا الشعور الغريب , لأني أحس بهِ لأول مرة , شعور لا استطيع أوصفهُ
بالكلمات , لكني تجاهلتُ هذه الغريزة و تناسيت هذا الشعور , و حاولت الاندماج مع
تلاميذي الذين أحبهم و أحاول أن أعطيهم كل معلومة امتلكها لأنهم بنظري كأولادي هم
مستقبلي و حياتي فلا استطيع أن اغفل عنهم و لا استطيع أن أتناسى واجبي و مسؤوليتي
, و أنهم كما يقول المثل كالورقة الفارغ التي يجب أن تملئ بالأخلاق و العلم و
المعرفة .
و هم أيضاً يبادلونني نفس الشعور الذي أكنه لهم
, المهم بدأ الدرس الساعة الثامنة و الربع و انتهى في الساعة التاسعة و عدت إلى
غرفة المعلمات لكي أستريح لمدة خمس دقائق حتى أواصل إعطاء حصتي التعليمية في صف
آخر تبادلت الحوار مع مجموعة من زميلاتي و أخذنا النقاش في موضوع الكهرباء
المستمرة بلا انقطاع ! و الحصة الغذائية التي لا تخلوا مخازن بيتنا منها بسبب
وزارة التجارة ! و الراتب الكبير الذي نمتلكهُ و الذي يوفر أي احتياج لدينا بسهولة
و يسر لدرجة أن الفائض منه نذهب بهِ في رحلات تصييفيه إلى أحدى الدول الأوربية أو الأسيوية
!! مع ضحكنا المتواصل على هذه الأحلام الغبية و البسيطة , انطلق جرس المدرسة و
انقطع الحديث ليتوجه كل أستاذ و أستاذة إلى صفوفهم و توجهت إلى صفي , و عند وصولي إلى
الصف بدأت درس اليوم حول الأخلاق و كيف يجب أن نقتدي بأخلاق النبي صلى الله علية و
اله و سلم , و أهمية أن يكون الإنسان على خلق ....
و إذ بمعاونة المدرسة
تلهث و هي تقف أمام غرفة الصف و أثارني هذا الموقف و استغربتُه و ناديت عليها
بسرعة ( خير أم علي شصاير ) فقالت و هي
تلتقط أنفاسها بصعوبة تامة حدث انفجار في مكان قريب على عمل زوجكِ قد أصيب في
الانفجار الذي حدث قبل !!!؟!؟!؟!؟
فنزل علي الخبر كالصاعقة
......
لطالما كنت أُشاهد في الأفلام
و المسلسلات الحالة التي يمر فيها الشخص الذي يصاب بمصيبة فأنه يقع تحت صدمة تجعل
منه لا يسمع أحد و يتصرف كأنه لا يرى احد , و أنا أُ أكد أن هذه الحالة التي مرت
بي كنت أرى الناس و هي تتكلم لكني لا اسمع أصوتهم و أرى في عيونهم الدموع و الألم
و الحسرة و الخوف و المرارة , كما و أن هناك طنين غريب في أذني كأن الانفجار
قد حدث بجانبي أنا .
لكني لم استوعب إلى الآن
ما قالته المعاونة و ما حدث أصلاً ؟ هل زوجي مات ؟ أم ما زال حي ؟ كيف سأربي
الأطفال من بعده ؟ من أين سأوفر لهم كل هذه المصاريف الكبيرة ؟ ماذا سأفعل بعد أن
يموت زوجي ؟ و السؤال الأكبر كيف سأقول لأطفالي أن أبوهم قد مات ؟
و أحسست بثقل في أقدامي و
الم في صدري و مرارة في لساني و حسرة تملئ كل جوارحي , و عرفت أن هذا هو الشعور
الغامض الذي أحسست في بداية النهار , هذا هو الشعور المشئوم الذي أثقل علي حياتي ,
هذا هو ما
...............
ثم بدأت أرى اللون الأبيض
قد ملى عيوني و لم اشعر بشيء بعدها ...
انتظرونا في الحلقة
الثانية من الذكريات
0 التعليقات :
إرسال تعليق