التفكير و الحزن و الاطفال
و أنا في خضم هذا التفكير المتناقض و الخوف المتشتت بين أبنائي و زوجي و إذ بأحد الأشخاص فوق رأسي يقول لي ( أختي مو أنتي إلي أستأجرتيني قبل شويه : شويه يعني قليل ) فرفعت رأسي و رأيت رجل لأول مرة أشاهده في حياتي قلت له منو أنت قال ( شنو القصة أختي أنا صاحب السيارة التاكسي إلي استأجرتيني من شارع فلسطين و هذا الموبايل مالتج وقع بالسيارة و صحت وراج و ما سمعيني ) .
فشكرته على أمانته ثم حاولت الاتصال بالبيت على الأطفال و لم يرد احد ثم أزداد قلقي و خوفي عليهم و اتصلت بأخ زوجي و قلت له عن الموضوع و حول أطفالي و أثناء كلامي في الهاتف جاءت إحدى الممرضات لتحاول نقل زوجي إلى قاعة أخرى فاعترضت و سألتها ماذا تفعلين قالت أنها تحاول نقل المريض إلى ردهة مخصصة للعلاج و ليس ممر كما أنها ردهة للرجال فقط و لا يمكن أن تبقي بجانبه و عليكِ أن تهيئي رجل لكي يكون مرافق له في حالة احتاج إلى شيء .
فاستغللت الفرصة لكي أقول لأخ زوجي أن يأتي هو و أنا أذهب للاطمئنان على الأطفال .
و بالفعل جاء و أخذ مكاني و ذهبت أنا لكي ابحث عنهم و توجهت إلى المدرسة عَلي أجدهم في باب المدرسة فوجدتها مغلقة ولا يوجد احد فيها بعد نهاية الدوام فأصبت بحالة من الخوف حول مكان تواجدهم ! و أخذت الأسئلة التي أصبحت رفيقتي لهذا اليوم بالعمل مرة أخرى .
هل سأخسر أطفالي أيضاً كما كِدتُ أن اخسر زوجي ؟ أين يمكن أن أجدهم ؟ هل خطفوا ؟ ما هي حالتهم الآن ؟ و كل سؤال يعيني ألف سؤال آخر, ماذا أفعل ؟ و دخلت في حيرة من أمري , و إذا بالحارس يقول لي أختي أنتي مو أم محمد و مسار ؟
قلت له نعم قال لقد اخذ أولادكِ الأستاذ دانيال و قال إن سئل أحد عنهم فقل له أنهم مع الأستاذ دانيال , فاطمئن قلبي و عاد تنفس إلى مستواه الطبيعي و أخذت دقات قلبي بالانتظام و توقفت الأسئلة الفوضوية عن الظهور قليلاً .
لكون الأستاذ دانيال يسكن قريباً من منزلي و هو رجل مسيحي و تربطه هو عائلته علاقة قوية مع عائلتي تعود لخمسين سنة مضت و كأننا عائلة واحدة .
فتوجهت نحو منزل الأستاذ دانيال حتى وصلت إلى عتبة باب المنزل ثم استوقفتني الأفكار و بدأت تعصف في عقلي مجدداً .
ماذا سوف أقول لأطفالي ؟ ما هو مصير أبوهم و أنا أصلاً لا اعرف حالته الطبية ؟ كيف استطيع أن أُفسر لمسار ابنتي الصغيرة أن أبوها لن يستطيع أن يحملها مجدداً ؟ و كيف استطيع أن أقول لمحمد أن أبوه لن يعلمه كرة القدم كما كان يفعل في السابق ؟ تجمدت أمام باب الأستاذ دانيال و لم استطع الحراك و أنا أرى يدي مرفوع متوقفة أمام الجرس و كأن أفعى قد لدغتني و جعلت الجهاز العصبي في جسمي يصاب بالشلل .
و أثناء تفكيري الذي طال في عقلي كان الساعات تمر بسرعة حتى أحسست مرة أخرى أنها مجرد لحظات في العالم الحقيقي و كان الوقت قد توقف عن المرور و كأن عقارب الساعة قد أخذت إجازة لكي لا تدق و لا يمر الوقت .
و أثناء هذا الموقف الغريب , و إذ بي اسمع نداء من خلفي أم محمد أهلاً كيف أحوالكِ , فاستدرت لأرى أنها زوجة الأستاذ دانيال و هي تبتسم في وجهي و تتهيئ لأخباري أن الأطفال في منزلهم و هم يلعبون في الداخل .
بدأت عيوني تجري كأنها سدود قد تحطمت و انطلق السيل فيها بدون سابق إنذار و ارتميت في أحضانها و أنا ابكي بقوة و هي تحاول أن تهدئني بشتى الطرق .
و خرج الأستاذ دانيال من البيت على صوتي القوي و بدأ الناس في التجمع حولي من المنطقة , ففرقهم الأستاذ دانيال و أدخلوني إلى المنزل كل هذا و أنا لم انتبه إلى أن أطفالي ينظرون ألي الذين بدأت تتعالى علامات الاستفهام على وجوههم و نظرات الاستغراب على عيونهم , وبموقف قطع فؤادي و ادمي عيوني جاءتني مسار وهي تركض نحوي بسرعة كبيرة و هي تبكي بدون أن تعرف سبب بكائي ثم ارتمت في أحضاني و هي تقول ماذا حصل يا أمي , فتنبهت هنا و حاولت أن أستجمع طاقتي و قوتي من اجل أطفالي .
فحاول الأستاذ دانيال أن يأخذ الأطفال لكي يلعبون في الساحة الخلفية لبيته مع أبناءه و عاد ليعرف ما الذي جعلني ابكي كل هذا البكاء حيث إن وجوههم تعلوها نظرات الاستغراب و الدهشة من ما حدث معي .
فبدأت أقص عليهم القصة التي حصلت و أنا أشاهد الحزن و الشفقة و الدموع بدأت تسيل من عيونهم تجاه ما حصل معي , فنحن كأصدقاء و إخوة تربطنا علاقات عائلية واحدة لا تفرقنا المذاهب أو الأديان .
و عندما أكملت القصة لهم و هم في ألم حزن شديدين و يحاولون أن يخففوا عني وطئه هذا الحدث الفظيع و المشكلة الخطيرة التي ألمت بي و بعائلتي , في هذه الأثناء أحسست بألم في قلبي فجأة و حسرة اعتصرت صدري لا اعرف سببها و اذ بصوت سقوط شيء على الأرض وبعدها بلحظات صرخت مسار بكامل قوتها وهي .............
انتظرونا في الحلقة القادمة ......
جمـــيـــل جمــيـــل
ردحذفمرورك الاجمل حنان شكراً على كلامك
حذف