المستشفى
2
وعندها
وقعت على الأرض منهارة و ابكي بصوت عالي و إذ بصوت ينادي ( هاي أنتي أم محمد
) و عندها انتبهت
لأرى أن القاعة ملئيه بالأسرة و ليس سرير واحد فقط .
فاستدرت ببطئ
شديد و خوفي يزداد شيئاً فشيئاً و أنا احسب ألف حساب هل هو أبو محمد ؟ أم انه مجرد
وهم ابتدعه خيالي ؟ هل أصبت بانهيار عصبي ؟ هل و هل و هل .... و أصبحت اللحظة هذه تمر كأنها ألف
سنة و أنا واقعة تحت ضغط و خوف و رعب , فنظرت و إذ بهِ أبو محمد ملقى على السرير في
نفس القاعة الكبيرة , هذه التي ضاق نظري فيها حتى وجدت فيها سرير واحد لرجل ميت .
فأختلط الفرح بالحزن و بدأت دموعي تسيل بقوة أكثر فأكثر و توجهه إليه و في
قلبي مشاعر متضاربة بين السعادة و الحزن بين الألم و الراحة بين الحسرة و الشفقة
صراع غريب لا يمكن أن يوصف بكلمات معروفة لي
, حتى وصلت إلى سريره و إذ بأبو محمد قد بترت أحدا ساقية بالانفجار!
فصعقت و تجمد تفكيري و أصبحت لا أقوى على الحراك و إذ بهِ رغم ألمه و حزنه
و مرضه اخذ يحاول أن يخفف عني و يبتسم في وجهي حتى لا يعصرني الحزن , لكني كنت أرى في عينية رغم تظاهره مواساته لي نظرة
الحزن , كنت أرى الم يفوق الوصف , و أرى بين شفتيه الباسمتان حسرة تحطم الجبال وهو
يقول لي ( الحمد لله , الله سترها رجل وحدة
راحت أكو ناس ما سِلَمَت على حياتها يمعوده
أحمدي الله و اشكريه .
ثم غاب عن الوعي أثناء كلامه معي فأصبت بهلع شديد و بدأت اصرخ ( دكتور ألحگلي
الرجال مات الحگلي دكتور ) فجاء الدكتور الموجود في القاعة و هو يقول ( شبيج شنو الي صار خبصتينا ) خبصتينا لغير العراقيين تعني أزعجتينا ) .
فقلت له دكتور زوجي راح يموت شوفه فدوه لعينك , فقال أسكتي شويه فقاس نبضة و
الضغط و قال للممرض الموجود في القاعة هذا المريض واقع في صدمة بسبب نقص للدم شوف
شنو فصيلته دمه و شد له بطل دم ) و ثم تركني و انصرف و بقيت بجانب زوجي .
و أنا أرى أمامي مشهد يدمي العيون و يقطع القلوب و يحبس الأنفاس القاعة تضج بالناس الذين يبحثون أحبابهم , و أنا
جالسة بجانب سرير زوجي على الأرض و انظر إلى الناس جميعاً كيف تحولت قلوبهم إلى قطعة
جمر وتحولت عيونهم حمراء مثل الدم العبيط من كثرة الدموع و هم يبحثون عن أحبائهم
أما بين المرضى المصابين أو بين الجثث التي تنقل باستمرار بسبب الموت فيصدمون
بموتهم , و أنا أُراقب هذا المشهد المؤلم الذي تتقطع له الأفئدة و تتحطم له
الضمائر , و تنحني له العقول حزناً و ألما .
فتشاهد الرجل الكبير يبحث عن أولادة
, و المرأة تبحث عن أطفالها و الأخ يبحث عن إخوة , و البنت تبحث عن أبيها , و
الزوجة مثلي تبحث عن زوجها , و الكثير منهم يعود إدراجه وهو يحمل على عاتقة إخبار أهله
أنهم فقدوا عزيزاً عليهم .
و في هذه اللحظة و أنا أشاهد هذا المشهد المرعب تذكرت أني لم اتصل بأحد لكي
يأتي لي لمساعدتي أو يذهب لكي يأخذ الأولاد من المدرسة , و مددت يدي في حقيبتي
لأجد أن هاتفي النقال غير موجود فيها , فأظطررت إلى أن أفرغها على الأرض لكي ابحث
و لم أجد أي شيء , فأخذت استرجع بذاكرتي و أنا في رعب و قلبي قد شطر إلى شطرين
الشطر الأول و هو يحاول أن يتشبث بالإنسان العزيز قلبي و المرمي على فراش الموت و
بساق واحد بجانبي و الشطر الآخر على أطفالي الذين لا اعرف مصيرهم و هل عرفوا بخبر
والدهم ؟ و كيف هي أحوالهم الآن و هم لا يعرفون هل هو حي أم ميت ؟ كيف يجب أن
ابلغهم أن والدهم ما زال على قيد الحياة و أنا في هذه الحالة من الفوضى و إذ
بأحدهم فوق رأسي يكلمني و يقول لي .......
انتظرونا في الحلقة القادمة ..
0 التعليقات :
إرسال تعليق